الاثنين، 27 مايو 2013

مجيء (أو ) بمعنى ( بل).

{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } الصافات - 147

قال الفراء :

" أو هَا هنا فى مَعنى بل. كذلك فى التفسير مع صحّته فى العربيَّة." (1)

وقال في مورد أخر :

" من زعم أن ( أو ) فى هذه الآية على غير معنى بل فقد افترى على الله؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يَشُكّ، ومنه قول الله تبارك وتعالى: {وأرسلناه إلى مِائةِ ألفٍ أَو يزِيدون}." (2)


يوجد خلاف بين البصرين والكو فيين حول مجيء ( أو ) بمعنى الواو و بمعنى ( بل ) , فالكوفيون يرون جوزا ذلك, بما لا يراه البصريون ذلك جائزا.

ذكر صاحب مغني اللبيب أن بعض الكوفيين قال أنها بمعنى الواو. (3)

في اللباب :

" ولا تكون ( أو ) بمعنى ( الواو ) ولا بمعنى ( بل ) عند البصرَّيين وأجازه الكوفَّيون وحجَّة الأوَّلين أنَّ الأصل استعمال كل حرف فيما وضع له لئلاَّ يفضي إلى اللبس وإسقاط فائدة الوضع واحتَّج الآخرون بأنَّ ذلك قد جاء في القرآن والشعر فمن ذلك قوله تعالى{ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } أي ويزيدون وقال تعالى : { حرَّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم } وهي بمعنى الواو و ( الحوايا ) عطفت على الشحوم أو الظهور وقال الشاعر [ من الطويل ]

بَدتْ مثل قَرْنِ الشمس في رونق الضُّحى
وصورتها أوْ أنْت في العْيًن أمْلَحُ

أي بل أنت

والجواب أنَّ ( أو ) في الآية الأولى لشكّ الرأي أي لو رأيتهم لقلت هم مائة ألف أو يزيدون , وقيل هي للتخيير وقيل للتقريب وقيل للتفصيل أي بعض الناس يجزرهم كذا وبعضهم كذا وأمَّا الآية الثانية ف ( أو ) تنبّه على تحريم هذه الأشياء وإنّ اختلفت مواضعها أو على حلَّ المستثنى وإن اختلفت مواضعه وهذا كما ذكرنا في دلالة ( أو ) على تفريق الأشياء على الأزمنة وأمَّا البيت فالمحفوُظ فيه ( أم أنت ) ولو قدّر صحّة ما رَوَوْا فهي على الشكّ أي صورتها أو أنت أملحُ من غيركما ولهذا كقولهم الحسن والحسين أفضل أم ابن الحنفية. " (4)


ومن اللطائف الأدبية البيت المشهور لأبي الأسود:

أُحِبُّ محمداً حُبَّاً شديداً * وعَبَّاساً وحمزةَ أو عَلِيَّا

اعترضوا عليه في قوله "أو" التي تقتضي الشكَّ، وقالوا له: أَشَكَكْتَ؟ فقال: كَرَّ، واستدلَّ بقولِه تعالى: {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ} وقال: أَوَ كان شاكَّاً مَنْ أَخْبر بهذا؟ (5)

---

هوامش :
1- معاني للقراء للفراء - 4\91
- معاني القرآن - 1|229
3- مغني اللبيب : 1|62
4- اللباب علل البناء والإعراب [ جزء 1 - صفحة 425 ]
5 -الدر المصون - 1\330

بس.

لهذه الكلمة ذات استخدام واسع في حياتنا اليومية, للدلالة على الاكتفاء وعدم الرغبة في المزيد.

عندما يقدم لك أحدهم كأس ماء آخر, وأنت لا تود أن تشرب المزيد, فإنك تقول له : بس.

فما  حقيقة هذه الكلمة؟

كلمة بس, ذات أصل فارسي, وقد باتت بسبب كثرة الاستعمال من ضمن مفردات اللغة العربية, وفد أشار علماء اللغة العظام إلى هذه الكلمة في معاجمهم, فقد ذكر صاحب اللسان : " بَسْ : بمعنى حَسْبُ, فارسية. " (1)

كما أشار إليها العلامة اللغوي ابن سيده : " و بَسْ بمعنى حَسْبُ, فارسية. " (2)

وقد أشار صاحب التاج إلى هذه الكلمة : " و بس بمعنى حسب ... ووقع في المزهر أنه ليس بعربي, قال شيخنا : وقد صححها بعض أئمة اللغة .... " (3)

فكلمة " بس " من الكلمات الفارسية التي أضحت جزءا من مفردات اللغة العربية حيث صححها بعض أئمة اللغة العربية كما أشار صاحب التاج, وهناك الكثير من الكلمات الفارسية في لغتنا العربية.

-----

هوامش :

(1) لسان العرب - مادة بسس.
(2) المحكم والمحيط الأعظم في اللغة لابن سيده - مادة بسس.
(3) تاج العروس من جواهر القاموس, للعالم اللغوي الكبير محب الدين أبي الفيض السيد محمد مرتضى الزبيدي - مادة بسس.

مأتم

يستخدم الناس مأتم للدلالة على الاجتماع في الحزن, فالمفردة " مأتم" اقترن ذكرها بالحزن.

غير أن معناها لا ينحصر في اجتماع الحزن.

في القاموس :

" والمَأْتَمُ كمَقْعَدٍ : كُلُّ مُجْتَمعٍ في حُزْنٍ أو فَرَحٍ أو خاصٌّ بالنساءِ أو بالشَّوابِّ ."

وفي اللسان :

" والمَأْتم كل مُجْتَمَعٍ من رجال أَو نساء في حُزْن أَو فَرَحٍ. "

" قال أبو بكر والعامة تَغْلَط فتظنُّ أَن المأْتم النَّوْح والنياحة وإِنما المَأْتَمُ النساء المجتَمِعات في فَرَح أَو حُزْن. "

العشرق

" وادي العشرق" رواية للأديب عبدالرحيم الأحمدي, صدرت عن دار المفردات العام الماضي, تتناول الرواية أحد الجوانب الحياتية التي يعيشها المجتمع في تصوره وهو الارتباط بالأوهاوم و الإيمان بالشعوذة و اللجوء إلى المشعوذين.

ليس حديثي عن هذه الرواية, بل عن مفردة " العشرق ".

لهذه المفردة حضور في كلام كثير من الناس, ولا سيما كبار السن , فماذا يقول علماء اللغة عنها؟

تجيبنا المعاجم اللغوية عن هذا الاستفسار.

في اللسان :

العِشْرِق : شجر، وقـيل نبت، واحدته عِشْرِقَة . قال أَبو حنـيفة : العِشْرِق من الأَغْلاثِ وهو شجر يَنْفَرِشُ علـى الأَرض عريض الورق ولـيس له شوك ولا يكاد يأْكله شيء إِلا أَن تصيب الـمِعْزى منه شيئًا قلـيلا؛ قال الأَعشى: 

تَسْمَع للـحَلْـي وَسْواساً إِذا انْصَرَفَتْ، 
كما استعان بريحٍ عِشْرِقٌ زَجلُ.

قال: وأَخبرنـي بعض أَعراب ربـيعة أَنّ العِشْرِقَة ترتفع علـى ساق قصيرة ثم تنتشر شُعَبًا كثـيرة وتُثْمِر ثمراً كثـيرًا، وثمرها سِنْفُها، فـي كل سِنْفَةٍ سطران من حب مثل عَجَمِ الزبـيب سواء، وقـيل: هو مثل حب الـحِمَّصِ وهو يؤكل ما دام رطبًا ويطبخ، وهو طيب.


قال الأَزهري: العِشْرِق من الـحشيش ورَقُه شبـيه بورق الغارِ إِلا أَنه أَعظم منه وأَكبر، إِذا حركته الريح تسمع له زَجَلا وله حَمْل كحَمْل الغارِ إِلا أَنه أَعظم منه. وحكي عن ابن الأَعرابـي: العِشْرِق نبات أَحمر طيب الرائحة يستعمله العرائس، وحكى ابن بري عن الأَصمعي: العِشْرِق شجرة قدر ذراع لها حب صغار إِذا جف صوتت بمَرِّ الريح. 

وفي التهذيب :

وقال ابن الأعرابي: العِشْرِق نبات أحمر طيّب الرائحة تستعمله العرائس. 

وفي العين :

لولا الأماضيحُ وحَبُّ العِشْرِقِ 
لَمِتُّ بالنَّزْواءِ مَوتَ الخِرْبَقِ

سياحة في أجواء ينبع

ينبع, اسم لمكان بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.

هذه الكلمة في أصلها فعل مضارع.


ذكرت معاجم اللغة للفعل المضارع يَنْبِعُ وينْبَعُ ويَنْبُع الأَخيرة عن اللحياني, كما في اللسان.

يقال نبع نَبْعا ونُبُوعاً و لذلك سميت العين يَنْبُوعًا.

في اللسان :

... " ولذلك سميت العين يَنْبُوعًا قال الأَزهري هو يفعول من نَبَعَ الماء إِذا جرى من العين وجمعه يَنابِيعُ وبناحية الحجاز عين ماء يقال لها يَنْبُعُ تَسْقِي نخيلاً لآلِ عليّ بن أَبي طالب رضي الله عنه."

يوجد بيت لكثير عزة في ذكر ينبع :

ومَرَّ فأَرْوَى يَنْبُعاً فجُنُوبَه
وقد جِيدَ منه جَيْدَةٌ فَعَباثِرُ 

في معجم التاج :

" ويَنْبُعُ كيَنْصُرُ : حِصْنٌ لَهُ عُيُونٌ فَوّارَةٌ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : مائِةٌ وسَبْعُونَ عَيْنًا ونَخِيلٌ وزُرُوعٌ لِبَنِي الحَسَنِ بن عليِّ بن أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهم بطَرِيقِ حاجِّ مِصْرَ عنْ يَمينِ الجَائي من المَدِينَةِ إلى وادِي الصَّفْراءِ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : وهُوَ مَنْقُولٌ منْ يَنْبُع لكَثْرَةِ يَنَابِيعِها."

كما هو واضح, فإن تسمية ينبع بهذا الاسم بسبب وفرة ما بها من مياه.

إضاءة :

ورد ذكر المفردة ينبوع و جمعها ينابيع في القرآن الكريم :


قالَ اللهُ تَعالى : 

{ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا } الإسراء/90

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ.} الزمر/21

{ الشياطين } و { الشياطون }

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا } البقرة - 102

{ قلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ } الأنعام - 71

{ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ } الشعراء - 210

القراءة المشهورة والمعروفة بين الجمهور هي الشياطين, ولكن الحسن - أحد القراء - قرأها ( الشيطاون ) , بالرفع بالواو, في هذه الآيات الشريفة, حملا على الجموع سنون و أرضون, أو على رواية الأصمعي : بستان فلان حوله بساتون .(1)

ذكر ابن عطية في المحرر حول قوله تعالى :{ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ } :

: " وقرأ الجمهور « الشياطين » ، وروي عن الحسن أنه قرأ « الشياطون » وهي قراءة مردودة ، قال أبو حاتم هي غلط منه أو عليه وحكاها الثعلبي أيضًا عن ابن السميفع ، وذكر عن يونس بن حبيب أنه قال سمعت أعرابياً يقول دخلت بساتين من ورائها بساتون قال يونس فقلت ما أشبه هذه بقراءة الحسن. (2) 



--

(1) البحر المحيط : 1|434
(2) المحرر الوجيز : 5|148

باء الحال و المصاحبة.

نعرف أن الأداة ( مع ) تدل على المصاحبة, كما في قوله تعالى : { و دخل معه السجن فتيان }.

غير أنه يؤتى بأدوات أخرى لتنوب عن الأداة ( عن ) في الدلالة على المصاحبة, ومن بينها حرف الباء.

تأملوا قوله تعالى : 

{ وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } التوبة : 25

جعل العلامة الزمخشري الباء بمعنى ( مع ) في هذا المورد, حيث قال :

"{ بِمَا رَحُبَتْ } ما مصدرية ، والباء بمعنى مع ، أي مع رحبها وحقيقته ملتبسة برحبها ، على أن الجارّ والمجرور في موضع الحال ، كقولك : دخلت عليه بثياب السفر ، أي ملتبسًا بها لم أحلها ، تعني مع ثياب السفر ." (1)


وقال ابن يعيش :

" و أما كونها بمعنى المصاحبة, ففي قولهم :" خرج بعشيرته " و " دخل عليه بثياب السفر ", و " اشترى الفرس بسرجه ولجامه ", والتقدير : خرج وعشيرته معه, فهي جملة من مبتدأ و خبر في موضع الحال, والمعنى مصاحبا عشيرته, فلما كان المعنى يعود إلى ذلك ؛ لقبوا الباء بالمصاحبة, وكذلك " دخل بثياب السفر " و " اشترى الفرس بسرجه ولجامه ", أي : وثياب السفر عليه, والسرج واللجام معه. " (2)

وقد ذكر ذلك الرأي علماء آخرون نحو ابن حيان في البحر :

والباء في بما رحبت للحال ، وما مصدرية أي : ضاقت بكم الأرض مع كونها رحبًا واسعة لشدة الحال عليهم وصعوبتها. " (3)


والشيخ الطبرسي في المجمع :

« و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت » أي برحبتها و الباء بمعنى مع و المعنى ضاقت عليكم الأرض مع سعتها كما يقال أخرج بنا إلى موضع كذا أي معنا. " (4)

والرضي في شرح الكافية :

" وتكون بمعنى (مع)، وهي التي يقال لها: باء المصاحبة، نحو { وقد دخلوا بالكفر، وهم قد خرجوا به } ، واشتر الدار بآلاتها، قيل: ولا تكون بهذا المعنى إلا مستقرا، أي: كائنين بالكفر، وكائنة بآلاتها ... " (5)

--

هوامش :

1-الكشاف : 2\260
2- شرح المفصل لابن يعيش 4\474
3- البحر المحيط 6\146
4- مجمع البيان للطبرسي 5\27
5- شرح الكافية للرضي 4\285