السبت، 20 يونيو 2015

تأملات في النحو القرآني للدكتور علي إبراهيم البراهيم

هذه مجموعة من الإضاءات و التأملات القرآنية لصديقي الدكتور علي إبراهيم البراهيم في النحو القرآني و البلاغة القرآنية أضعها هنا لما تحتويه من فوائد ونحن نعيش أجواء شهر القرآن الكريم

فائدة من النحو القرآني (1):


إن الأصل والأكثر في ( ما ) أن تأتي لغير العاقل ولكنها جاءت للعاقل قي بعض كلامهم وفي القرآن في أكثر من موضع ....


جميل أن نتأمل قوله تعالى : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم )

فما هنا موصولة دلت على العاقل أي : ما ملكته أيمانكم ، ويمكن أن تكون مصدرية بتقدير : ملك أيمانكم .

وتأمل قوله تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) وهنا يمكن أن تكون موصولة دلت على العاقل ، ويمكن أن تكون مصدرية وفي كل حالة تقدير وتبعا لذلك يختلف الحكم المستفاد من الآية وإليكم الحالتين :

الأولى : إذا اعتبرناها موصولة للعاقل فيكون التقدير : ( ولا تنكحوا من نكحهن آباؤكم ) وعليه يكون المراد تحريم نكاح نساء الآباء .

الثانية : إذا اعتبرناها مصدرية فيكون التقدير : ولا تنكحوا نكاح آبائكم ) ويكون المراد تحريم طرق النكاح التي كان يتبعها الآباء في الجاهلية .

ما أجمل الغوص في مكنون اللغة إذا اقترن بالقرآن الكريم وما أروع النحو القرآني !

محبّ الضاد : ( أبوباسل )


-------
من فوائد النحو القرآني (٢): 

نستعمل كثيرا (ما) استفهامية مركبة مع (ذا) فنقول : (ماذا) وللنحاة في إعرابها أوجه متعددة ، وفي القرآن جاءت بمنزلة اسم واحد ، وجاءت مركبة من (ما) الاستفهامية ومن (ذا) التي بمنزلة (الذي) ، وأجاز بعض النحاة أن تكون كلها بمنزلة ( الذي) كما في قوله تعالى : ( قل انظروا ماذا في السموات والأرض) وقوله frown emoticon هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ) وقوله : ( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ) ففي الآيات السابقة يمكن توجيه (ماذا) بمعنى ( الذي) ...

ولكن هل من فرق حين استعمالها دالة على الاستفهام بين ( ماذا ) و(ما) ؟

في سياق القرآن الكريم يظهر الفرق فاستعمال ( ماذا ) في الاستفهام أبلغ من ( ما ) فحين يراد من الاستفهام معنى التبكيت والتوبيخ واللوم من دون جواب تأتي ( ماذا ) ... تأمل معي قوله تعالى في سياق أحداث قصة نبي الله إبراهيم ع : ( إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ، أئفكا آلهة دون الله تريدون ) فقد استعمل (ماذا) لأنه أراد التوبيخ واللوم .

ولكن وفي سياق الأحداث نفسها في سورة أخرى استعمل القرآن ( ما ) لأنه لم يرد المعنى السابق بل استفهام جاء بعده جواب وذلك في قوله تعالى من سورة الشعراء frown emoticon إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون ، قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ) ...
ما أروع التأمل في كتاب الله عز وجل .

محب الضاد : أبوباسل

----

من فوائد النحو القرآني (3):

اسم الفاعل - كما يقول النحاة - يدل على الحدث والحدوث وفاعله . ويقصدون بالحدوث ما يقابل الثبوت أي التغيّر وعدم الملازمة ، ولكنه يقع وسطا بين الفعل الذي يدل على التجدد والحدوث ، والصفة المشبهة التي تدل على الثبوت والدوام ، فكلمة ( قائم ) أدوم وأثبت من قولي ( قام ) ولكن ثبوتها ليس كثبوت كلمة (طويل) و(قصير ) اللتان هما صفتان مشبهتان ، فالقيام يمكن تغييره وتجدده ولكن الطول والقصر ثابتان لا يتجددان ، وعلى هذا الأساس فلنتأمل قوله تعالى مخاطبا حبيبه المصطفى ص : ( فلعلّك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك ) إذ لم يأت من صفتي الترك والضيق لا بصيغة الماضي (ترك) و (ضاق) فيدل على ثبات ذلك في الماضي، ولا بالصفة المشبهة ( ترِك ) و ( ضيّق) فيدل ذلك على الثبوت والدوام المستمرين ، وباعتبار أن الضيق والترك كانا عارضين للنبي ص وليس هما من صفاته - ونقصد ب (عارض) هنا ما يناسب المقام ولنلتفت إلى بداية الآية ( فلعلّك ) التي هي للترجي - ولذلك جاء باسم الفاعل ليعبر عن المعنى بأدق تعبير ...

ما أروع التعبير القرآني المنسجم مع الذوق العربي السليم ...

زادكم الله تدبرا في آياته .

محبّ الضاد : أبو باسل

------
من فوائد النحو القرآني (4) : 

إن الصيغة الأساس التي تدل على اسم المفعول في اللغة هي (مَفْعُول) للمأخوذ من الثلاثي ، أو على صيغة المضارع المبني للمجهول بإبدال حرف المضارعة ميما مضمومة وفتح ما قبل الآخر ، وقال النحاة إن هناك صيغا أخرى تدل على المفعول من غير الصيغتين السابقتين نحو ( فعيل) كقولنا : جريح بمعنى مجروح ، ونحو (فعيلة) كذبيحة بمعنى مذبوح ، غير أنّ هناك من فرّق بين المعنيين وأشار إلى اختصاص كل صيغة بمعنى لا يحصل في الأخرى ، وهذا ما نلمسه حين نتأمل كلمتي (رسول) و (مُرسَل) في القرآن الكريم ...

أشار النحاة إلى صيغ أخرى تدل على المفعول نحو ( فَعُول) ك( رسول) بمعنى مرسَل ، فهل هذا منسجم مع تعبيرات وسياقات القرآن الكريم ؟!

وردت الكلمتان كثيرا في القرآن وبشكل يصعب حصره هنا والمتأمل فيهما يجد أنهما لا يتفقان تماما في المعنى إذ إن إحداهما تعمّ الأخرى وتشملها، قالقرآن حين يريد الإشارة إلى حدث الرسالة التي هي سفارة بينه سبحانة وخلقه وهو ما نسميه (الحدث)، والاختيار لشخص معيّن اختصه الله بها وهو (الحدوث) ، وشخص الرسول نفسه وهو ( ذات المفعول) يأتي التعبير بلفظ (رسول) ، أما إذا شملت اللفظة هذه المعاني وغيرها بمعنى اشتراك الرسل وغيرهم في معنى الرسالة فتأتي لفظة ( مرسَل) سواء أكانت بصيغة المفرد أو الجمع ، إذ نجد أن الله أطلق على الملائكة الذين جاؤوا لإبراهيم ع كلمة ( مرسلون) فقال : ( فما خطبكم أيها المرسلون) ، وأطلق على الرياح ( مرسلات) في قوله frown emoticon والمرسلات عرفا ...) ، وأطلق على من بعثتهم بلقيس بالهدايا إلى نبي الله سليمان (مرسلون) فقال الله على لسانها : ( وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) وهكذا ... فمن الصعب أن نقول إن كلمتي (رسول) و(مرسل) تتحدان في في الدلالة !

إن في صيغ اللغة دلالات عميقة وأسرارا خفية تحتاج إلى تأمل ونظر دقيق لا يكشفها إلا النظر في كتاب الله العزيز ...

رزقنا الله وإياكم حسن التدبر في آياته .

محبّ الضاد : أبوباسل

-------
من فوائد النحو القرآني (5) : 

في اللغة العربية أفعال تتعدى إلى مفعولها بنفسها من دون واسطة ،فأقول : كسرتُ النافذةَ ، وحفظتُ القصيدةَ ، وأفعال أخرى تتعدى بحرف الجر ،فأقول : رغبتُ فيه ،وعدلتُ عنه ، ونلمس الفرق حين نتأمل الفعلين (كسر وحفظ) في الجملتين الأوليين ووقوعهما على المفعول ، والفعلين (رغب وعدل) في الجملتين الأخريين وعلاقتهما بالمجرور ؛إذ ليس وقوع الكسر على النافذة والحفظ على القصيدة كوقوع الرغبة والعدول فتأمل ...

ولكن عندما نتأمل آيات القرآن الكريم نجد أفعالا هي متعدية بنفسها ولا تحتاج إلى حرف الجر لتصل إلى مفعولها غير أنها جاءت متعدية بحرف الجر ،نحو قوله تعالى في سورة الأعراف frown emoticon ولمّا سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ) والمراد هنا هو ذيل الآية (هم لربهم يرهبون) فالفعل (رهِب) بمعنى : خاف ،يتعدى بنفسه فلِمَ جاءت اللام في المفعول المتقدم (لربهم) ؟!

يقول النحاة : إن الفعل إذا تأخر عن مفعوله ضعف في العمل والمعنى فتأتي اللام لتقوية المفعول فيقوى عمل الفعل ، كما في قوله تعالى : ( إن كنتم للرؤيا تعبرون ) ...

والغريب أن بعض النحاة عندما يعبر بالزيادة عن بعض حروف الجر لا يعلل لذلك فيتوهم القارئ أن الحرف لا أثر له ولا دلالة ، فيكون وجوده وعدمه سواء ، وهذا لا يتناسب ونظم القرآن الكريم لأنه لا زيادة دون فائدة في القرآن أبدا ...

وقد وجّه آخرون اللام على أنها لام العلّة والمعمول محذوف أي : يرهبون المعاصي لأجل ربهم لا لشيء آخر ، وهذا وجه حسن ...

أما من قال : إن المراد (راهبون لربهم ) فأقول : إن ذلك غريب إذ إن تأويل الفعل بالاسم الذي جاء به هنا (اسم فاعل) لا يغيّر في عمله شيئا ؛ لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله فيمكن أن أقول : هم راهبون ربهم ، أو ربَّهم راهبون ، أي بتعدية اسم الفاعل إلى مفعوله مباشرة فلا يكون هذا التوجيه ناهضا ... فتأمل 

ما أروع التأمل في لغتنا الجميلة حين يكون في كتاب الله.

محبّ الضاد : أبو باسل


----
من فوائد النحو القرآني (6) : 

من المواقف التي تكرر ذكرها في القرآن الكريم موقف إبليس من أمر الله له بالسجود لآدم وقد وردت الحادثة في سياقات متعددة منها ما ورد في سورة الأعراف قوله تعالى frown emoticon قال ما منعك ألّا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) . وفي سورة ص قوله تعالى ( قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالين قال ...) ، وما نريد أن نقف عليه هنا للنظر والتأمل هو في الفعل (تسجد) فقد ورد في آية سورة الأعراف مسبوقا بلا ،وغير مسبوق بها في سورة ص ،فماذا يعني ذلك وهل من غرض بلاغي ؟!

إن جمهور النحاة والمفسرين يقولون بأن (لا) هنا زائدة جاءت للتوكيد والتحقيق ويستدلون بما ورد في آية سورة ص إذ ورد الفعل من دونها ،فهل هذا مقنع حقا ؟!

نقول : لقد ذهب نحاة آخرون إلى أن (لا)غير زائدة وإنما هي نافية إذ لا يقرون بمبدأ الزيادة في القرآن وهذا بحث أفاض فيه كثير من أهل اللغة ولسنا بصدده هنا ...

لقد أوّل بعضهم وقدّر الكلام مع وجود (لا) فقال إن التقدير : من قال لك لا تسجد ... أو أيّ شيء اضطرك للسجود ،أو ما صيّرك لا تسجد وهكذا ...

ويقدرون المعنى مع الثانية التي ورد فيها الفعل من دون (لا) بقولهم : أي شيء منعك من السجود ...

[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]ولكن هل يكفي ذلك لإقناعنا بوجود (لا) في آية وعدم وجودها في الأخرى ؟! [/COLOR]

نقول : إن التأمل في الجملة الظرفية ( إذ أمرتك) التي جاءت بعد الفعل (تسجد) مع (لا) يحل الإشكال ويظهر المغزى البلاغي البديع إذ إن وجود فعل الأمر مع (إذ) الظرفية ناسب أن يأتي الفعل (تسجد) منفيا لبيان فداحة الإمر وقبح العصيان من إبليس إذ اقترن النفي بالأمر ... بمعنى أن عظمة الأمر قابلها عظمة الفعل المشين القبيح الصادر من إبليس وهو عدم السجود مع أن ذلك أمر من الله عزوجل ... كما أقول لشخص -هو أدنى مني وتحت سيطرتي وأمري وأطلب منه أن يفعل شيئا فلا يفعل- : لا تسمع كلامي وقد أمرتك !

وإذا تاملنا ذلك وفهمنا المطلب عرفنا سبب وجود (لا) في سياق وعدم وجودها في سياق آخر ،ولذلك فإن آية سورة ص خلت من (لا) لأنها خلت من ذكر فعل الأمر ...
سبحان من جعل القرآن محلا للتدبر والتفكر ، ومستودعا لأسرار البلاغة ...

محبّ الضاد : أبو باسل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق