كان العرب - في فترة ما قبل الإسلام, وصدر الإسلام - ينطقون الألفاظ العربية مضبوطة مشكولة بحسب سليقتهم من غير لحن أو خطأ. وكانت المصاحف الشريفة في العهد الإسلامي الأول مجردّة من الشكل , وباتساع الرقعة الإسلامية, والاتصال بالأعاجم دخل اللحن في الكلام, ونشأت الحاجة إلى وجود وسيلة لمنع حدوث اللحن في قراءة القرآن الكريم.

المراد من الشكل هو ما يعرض على الحرف، من حركة وسكون، سواء أكان ذلك في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها.

وكان أبو الأسود الدؤلي هو أول من قام بعملية تشكيل القرآن, حيث ورد جاء في صبح الأعمى للقلقشندي ج 3/ 151: " إن أول من نقَّطَ القرآن، ووضع العربية هو أبو الأسود الدؤلي من تلقين أمير المؤمنين علي , كرم الله وجهه", إذ قام أبو الأسود بضبط العلامات الإعرابية في القرآن، واستعمل لذلك ما يفرّق فيه بين حالات الرفع والنصب والجرِّ بالتنوين وبدونه.

ولقد ابتكر أبو الأسود الدؤلي طريقة خاصة باستعمال النقط للحركات بصورة مميزة: عدداً، وموضعاً، ولوناً واختار لهذا الأمر كاتباً ماهراً قيل: إنه كان من بني عبد القيس، وقال له: " خذ المصحف، وصنيعاً يخالف لون المواد، فإذا رأيتني فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة من أعلاه، وإن ضممتُ فمي فانقِط نقطةً بين يدي الحرف، وإن كسرتُ فاجعل النقطة من تحت الحرف، فان أتبعت هذه الحركات غنَّة فانقط نقطتين، فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره" : الفهرست لابن النديم

وكان يحيى بن يعمر العدواني ونصر بن عاصم الليثي, هما أول من نقطا المصحف الشريف ؛ قال الأستاذ الزرقاني: " أول من نقَّط المصحف هو يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم تلميذا أبي الأسود الدؤلي" : مناهل العرفان - الجزء الأول

ولقد قاما بوضع النقاط على الحروف المتشابهة أزواجاً وأفراداً ( كالسين والشين, والفاء والقاف, والراء والزاء, والباء والتاء والثاء, الخ )، وكان وضع النقاط على الحروف, وبذلك تميزت صور الحروف المتشابهة وصار لكل حرف صورة تغاير صورة غيره من الحروف.

وعندما ظهرت مشكلة اختلاط نقط الحركات التي وضعها أبو الأسود بنقط الحروف المتشابهة في الرسم والتي وضعها تلميذاه - يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم -، استطاع الخليل بن أحمد الفراهيدي أن يبتدع شكلاً جديداً للحركات الإعرابية، فقد جعل الحركات حروفاً صغيرة بدل النقط وابتكر لكل حركة ما يناسبها في الشكل من الحرف فللضمة واو صغيرة فوق الحرف وللكسرة ياء مردفة تحت الحرف، وللفتحة ألف مائلة فوق الحرف ولم يقف إنجاز الفراهيدي عند هذا الحد، بل وفق إلى ابتكار علامات الهمز والتشديد والمد والإشمام.

فما أعظم ما منحه الخليل للغة, وما أولاه من عناية لأساس خلودها, القرآن الكريم.

ينسب الخليل الى فرهود بن زيد بن شبابة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبدالله بن زهران بن كعب بن الحارث..الفُرهُد, والفُرهود في اللغة هو ولد الأسد, والجمع فراهيد.