قد يكون هذا العنوان مدعاة للاستغراب, فما هو الرابط بين شخصية الإمام علي عليه السلام تلك الشخصية الإسلامية المتكاملة وبين ميخائيل نعيمة ذلك المسيحي الذي لم يرتض الإسلام ديناً?.
إن شخصية الإمام علي عليه السلام قد فرضت نفسها على كل من تلمسها وتلمس معاني الجمال فيما أعطته للإنسانية.
ميخائيل نعيمة واحد من أدباء العربية البارزين الذي تعد كتاباتهم تخليداً للغة العربية, ومن يقرأ لهذا الكاتب يدرك أي أدب ساحر وذائقة لغوية يمتلكها هذا الأديب.
يقول ميخائيل نعيمة متحدثا عن الإمام علي عليه السلام :
" فأنا ما عرفت في كل من قرأت لهم من العرب رجلاً دانت له اللغة مثلما دانت لابن أبي طالب, سواء في عظاته الدينية, وخطبه الحماسة ورسائله التوجيهية, أو في تلك الشذور المقتضبة التي كان يطلقها من حين إلى حين مشحونة بالحكم الزمنية والروحية, ومتوهجة ببوارق الإيمان الحي ومدركة من الجمال في البيان حد الإعجاز. فكأنها اللالىء بلغت بها الطبيعة حد الكمال. وكأنه البحر يقذف بتلك اللالىء دونما عنت أو عناء!
إن ميخائيل نعيمة من الأدباء الذين غاصوا عميقا في بحر اللغة وأدركوا مناحي الجمال فيها, ولهم إحاطتهم الواسعة بفنون اللغة العربية, وهذه الشهادة من ميخائيل في حق الإمام لم تأت نتيجة لاندفاع عاطفي, بل لإدراك عاينه وهو يتأمل فيما صَدَرَ من صَدْرِ علي من بيان ساحر آخاذ.
ويستمر ميخائيل نعيمة قائلاً :
" ليس بين العرب من صفت بصيرته صفاء بصيرة الإمام علي. ولا من أوتي المقدرة في اقتناص الصور التي انعكست على بصيرته وعرضها في إطارٍ من الروعة هو السحر الحلال. حتى سجعه, وهو كثير, يسطو عليك بألوانه وبموسيقاه ولا سطو القوافي التي تبدو كما لو أنها هبطت على الشاعر من السماء. فهي ما اتخذت مكانها من أواخر الأبيات إلا لتقوم بمهمة يستحيل على غيرها القيام بها. إنها هناك لتقول أشياء لا تستطيع كلمات غيرها أن تقولها. فهي كالغَلَق في القنطرة"
" إن علياً لمن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان"
بهذا يعطي نعيمة رؤيته عن الأدب العلوي ببيانه الرائع. وكما نعلم فإن أي دراسة نقدية تعمل على تقييم المعنى والأسلوب, وهذان العنصران قد اتحدا في الأدب العلوي بشكل محكم ومتين صعب معه فصل أحدهما عن الآخر, فالكلمات قد تم اختيارها بشكل دقيق لا يعبر عنه سواها, تماماً كما هو الحال في استبدال كلمة قافية بأخرى في أبيات الشعر.
وميخائيل نعيمة بذوقه الأدبي وملكاته الأدبية يدرك أي ملكات أدبية كان يمتلكها الإمام علي عليه السلام, ولذا فإن تعبيره هذا يكشف عن قوة الانبهار والإعجاب التي رآها نعيمة وهو يعيش دفقات التعابير العلوية كأروع ما يكون تعبير أو بيان.
ولذا فإنه حري بأبناء الإسلام أن يتمعنوا في تلك الكلمات التي تضمنها " نهج البلاغة" ليروا أي كنوز نفيسة تلك التي في أيديهم وهم عنها غافلون.
وإن دراسة نهج البلاغة لمن أحد وسائل تنمية الذائقة العربية لدى أبناء الإسلام.
يقول الأديب ميخائيل نعيمة في مقدمته لكتاب الإمام علي صوت العدالة الإنسانية لجورج جرداق
لقد تحدث عن الكتاب فقال : (.... إنه مكرس لحياة عظيم من عظماء البشرية، أنبتته أرض عربية، ولكنها ما استأثرت به، وفجر ينابيع مواهبه الإسلام، ولكنه ما كان للإسلام، وإلا فكيف لحياته الفذة أن تلهب روح كاتب مسيحي في لبنان.. فيتصدى لها بالدرس، والتحليل، والتمحيص والتحليل, ويتغنى تغني الشاعر المتيم بمفاتنها ومآثرها وبطولاتها؟ )
ثم تابع كلامه معرجا على شخصية الإمام علي فقال : ( وبطولات الإمام ما اقتصرت يوماً على ميادين الحروب، فقد كان بطلاً في صفاء بصيرته، وطهارة وجدانه، وسحر بيانه، وعمق إنسانيته، وحرارة إيمانه، وسمو دعته، ونصرته للمحروم والمظلوم من الحارم والظالم، وتعبده للحق أينما تجلى له الحق، وهذه البطولات مهما تقادم بها العهد، لا تزال معلماً غنياً نعود إليه اليوم، وفي كل يوم، كلما أشتد بنا الوجد إلى بناء حياة صالحة فاضلة).
ثم تحدث عن مؤلف الكتاب جرداق جرداق فقال : (إنه ليستحيل على أي مؤرخ أو كاتب، مهما بلغ من الفطنة والعبقرية، أن يأتيك، حتى في ألف صفحة بصورة كاملة لعظيم من عيار الإمام علي، ولحقبة حافلة بالأحداث الجسام، كالحقبة التي عاشها.
فالذي فكَّره وتأمله، وقاله، وعمله، ذلك العملاق العربي، بينه وبين نفسه وربه، لِمما لم تسمعه أذن، ولم تبصره عين، وهو أكثر بكثير مما عمله بيده، أو أذاعه بلسانه وقلمه، وإذ ذاك فكل صورة نرسمها له هي صورة ناقصة لا محالة، وقصارى ما نرجوه منها أن تنبض بالحياة).
ثم يقول: ( ويقيني أن مؤلف هذا السّفر النفيس، بما في قلمه من لباقة، وما في قلبه من حرارة، وما في وجدانه من إنصاف، قد نجح إلى حد بعيد في رسم صورة لابن أبي طالب، لا تستطيع أمامها إلا أن تشهد بأنها الصورة الحية لأعظم رجل عربي بعد النبي)(1)
تتجلى من هذه الكلمات ما تتمتع به شخصية الإمام علي عليه السلام من جوانب عظمة, وما تحمله روحه من فكر ثر لم يعرف التوقف, فهو كما عبر عنه ميخائيل في مقدمته للكتاب المذكور, بأنه : " .... الصورة الحية لأعظم رجل عربي بعد النبي "
------
(1)الإمام علي صوت العدالة الإنسانية - المجلد الأول - علي وحقوق الإنسان لجورج جرداق
إن شخصية الإمام علي عليه السلام قد فرضت نفسها على كل من تلمسها وتلمس معاني الجمال فيما أعطته للإنسانية.
ميخائيل نعيمة واحد من أدباء العربية البارزين الذي تعد كتاباتهم تخليداً للغة العربية, ومن يقرأ لهذا الكاتب يدرك أي أدب ساحر وذائقة لغوية يمتلكها هذا الأديب.
يقول ميخائيل نعيمة متحدثا عن الإمام علي عليه السلام :
" فأنا ما عرفت في كل من قرأت لهم من العرب رجلاً دانت له اللغة مثلما دانت لابن أبي طالب, سواء في عظاته الدينية, وخطبه الحماسة ورسائله التوجيهية, أو في تلك الشذور المقتضبة التي كان يطلقها من حين إلى حين مشحونة بالحكم الزمنية والروحية, ومتوهجة ببوارق الإيمان الحي ومدركة من الجمال في البيان حد الإعجاز. فكأنها اللالىء بلغت بها الطبيعة حد الكمال. وكأنه البحر يقذف بتلك اللالىء دونما عنت أو عناء!
إن ميخائيل نعيمة من الأدباء الذين غاصوا عميقا في بحر اللغة وأدركوا مناحي الجمال فيها, ولهم إحاطتهم الواسعة بفنون اللغة العربية, وهذه الشهادة من ميخائيل في حق الإمام لم تأت نتيجة لاندفاع عاطفي, بل لإدراك عاينه وهو يتأمل فيما صَدَرَ من صَدْرِ علي من بيان ساحر آخاذ.
ويستمر ميخائيل نعيمة قائلاً :
" ليس بين العرب من صفت بصيرته صفاء بصيرة الإمام علي. ولا من أوتي المقدرة في اقتناص الصور التي انعكست على بصيرته وعرضها في إطارٍ من الروعة هو السحر الحلال. حتى سجعه, وهو كثير, يسطو عليك بألوانه وبموسيقاه ولا سطو القوافي التي تبدو كما لو أنها هبطت على الشاعر من السماء. فهي ما اتخذت مكانها من أواخر الأبيات إلا لتقوم بمهمة يستحيل على غيرها القيام بها. إنها هناك لتقول أشياء لا تستطيع كلمات غيرها أن تقولها. فهي كالغَلَق في القنطرة"
" إن علياً لمن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان"
بهذا يعطي نعيمة رؤيته عن الأدب العلوي ببيانه الرائع. وكما نعلم فإن أي دراسة نقدية تعمل على تقييم المعنى والأسلوب, وهذان العنصران قد اتحدا في الأدب العلوي بشكل محكم ومتين صعب معه فصل أحدهما عن الآخر, فالكلمات قد تم اختيارها بشكل دقيق لا يعبر عنه سواها, تماماً كما هو الحال في استبدال كلمة قافية بأخرى في أبيات الشعر.
وميخائيل نعيمة بذوقه الأدبي وملكاته الأدبية يدرك أي ملكات أدبية كان يمتلكها الإمام علي عليه السلام, ولذا فإن تعبيره هذا يكشف عن قوة الانبهار والإعجاب التي رآها نعيمة وهو يعيش دفقات التعابير العلوية كأروع ما يكون تعبير أو بيان.
ولذا فإنه حري بأبناء الإسلام أن يتمعنوا في تلك الكلمات التي تضمنها " نهج البلاغة" ليروا أي كنوز نفيسة تلك التي في أيديهم وهم عنها غافلون.
وإن دراسة نهج البلاغة لمن أحد وسائل تنمية الذائقة العربية لدى أبناء الإسلام.
يقول الأديب ميخائيل نعيمة في مقدمته لكتاب الإمام علي صوت العدالة الإنسانية لجورج جرداق
لقد تحدث عن الكتاب فقال : (.... إنه مكرس لحياة عظيم من عظماء البشرية، أنبتته أرض عربية، ولكنها ما استأثرت به، وفجر ينابيع مواهبه الإسلام، ولكنه ما كان للإسلام، وإلا فكيف لحياته الفذة أن تلهب روح كاتب مسيحي في لبنان.. فيتصدى لها بالدرس، والتحليل، والتمحيص والتحليل, ويتغنى تغني الشاعر المتيم بمفاتنها ومآثرها وبطولاتها؟ )
ثم تابع كلامه معرجا على شخصية الإمام علي فقال : ( وبطولات الإمام ما اقتصرت يوماً على ميادين الحروب، فقد كان بطلاً في صفاء بصيرته، وطهارة وجدانه، وسحر بيانه، وعمق إنسانيته، وحرارة إيمانه، وسمو دعته، ونصرته للمحروم والمظلوم من الحارم والظالم، وتعبده للحق أينما تجلى له الحق، وهذه البطولات مهما تقادم بها العهد، لا تزال معلماً غنياً نعود إليه اليوم، وفي كل يوم، كلما أشتد بنا الوجد إلى بناء حياة صالحة فاضلة).
ثم تحدث عن مؤلف الكتاب جرداق جرداق فقال : (إنه ليستحيل على أي مؤرخ أو كاتب، مهما بلغ من الفطنة والعبقرية، أن يأتيك، حتى في ألف صفحة بصورة كاملة لعظيم من عيار الإمام علي، ولحقبة حافلة بالأحداث الجسام، كالحقبة التي عاشها.
فالذي فكَّره وتأمله، وقاله، وعمله، ذلك العملاق العربي، بينه وبين نفسه وربه، لِمما لم تسمعه أذن، ولم تبصره عين، وهو أكثر بكثير مما عمله بيده، أو أذاعه بلسانه وقلمه، وإذ ذاك فكل صورة نرسمها له هي صورة ناقصة لا محالة، وقصارى ما نرجوه منها أن تنبض بالحياة).
ثم يقول: ( ويقيني أن مؤلف هذا السّفر النفيس، بما في قلمه من لباقة، وما في قلبه من حرارة، وما في وجدانه من إنصاف، قد نجح إلى حد بعيد في رسم صورة لابن أبي طالب، لا تستطيع أمامها إلا أن تشهد بأنها الصورة الحية لأعظم رجل عربي بعد النبي)(1)
تتجلى من هذه الكلمات ما تتمتع به شخصية الإمام علي عليه السلام من جوانب عظمة, وما تحمله روحه من فكر ثر لم يعرف التوقف, فهو كما عبر عنه ميخائيل في مقدمته للكتاب المذكور, بأنه : " .... الصورة الحية لأعظم رجل عربي بعد النبي "
------
(1)الإمام علي صوت العدالة الإنسانية - المجلد الأول - علي وحقوق الإنسان لجورج جرداق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق